سلوك النحل
عادة يكون لأنشطة نحل العسل تأثير مهم على الإنسان وعندما نصف إنسان ” بأنه يعمل مثل النحلة” يكون تعبيرًا ملائمًا لما تقوم به النحلة من أنشطة غير محدودة نهارًا وليلًا داخل الخلية وعادة يضع النحل أعشاشه في كهوف مظلمة ذات فتحات ضيقة كما في الأشجار المجوفة فإن الكثير من هذه الأنشطة كانت مجهولة للإنسان لعدة آلاف من السنين بصعوبة ملاحظتها داخل العش مباشرة ولكن الخلايا ذات الجدران الزجاجية (خلايا العرض والرصد) سهلت ملاحظة هذه الأنشطة على الواقع وداخل العش وأمكن تفسير تساؤلات كثيرة مرتبطة بنشاط النحل وتأكيدها بأدلة قوية وبعد أن أصبحت أنشطة النحل واضحة جعلت الإنسان يتابعها في شغف.
ومن الأخطاء الخطيرة أن نعتبر نشاط النحل كما لو كان عادات إنسانية ونقيمها على هذا الأساس لتفهم سلوك النحل الذي يعتبر تفسيرًا للإنسانية من خلال قيم وعادات النحل يجب أن يكون هناك فرق واضح بين اثنين من المخلوقات على درجة عالية من الاختلاف.
ويتميز النحل عن الإنسان على الأقل في السلوك الذي يفوق التخطيط العلمي الدقيق وكيف تكون أحاسيس النحلة في عالمها وكذا التذوق والشم والسمع واللمس وأيضًا كيف تستقبل المعلومات من خلال جهاز حسي عامل داخل جهاز عصبي والسؤال المهم الان هو: هل بعد حدوث إحساس منبه للنحلة يتاح لمخ النحلة فرصه لإحداث عملية التفكير أم أن رد الفعل يكون مجرد ميكانيكيا؟
وللإجابة على هذا السؤال سنعرض في هذه المدونة أهم العوامل المؤثرة على سلوك النحلة..
هناك عوامل داخلية وعوامل خارجية مؤثرة على سلوك النحل..
بالنسبة للعوامل الداخلية المؤثرة على السلوك
يرتبط بعض أنواع الأنشطة بواسطة مرحلة النمو على سبيل المثال إفراز الشمع والهيمنة على تصنيع أقراص الشمع تكون مستحيلة إلى أن تصبح غدد الشمع ناضجة، بالإضافة إلى أن الشغالات الصغيرة جدا أقل من عمر يوم واحد تكون غير قادرة على اللدغ لأن آلة اللدغ غير مكتملة النمو حيث لا يفرز سم من غدد غير ناضجة ويكون اللدغ مستحيلا وهناك سبب داخلي آخر وهو تواجد هرمونات مختلفة تتصاعد في الدم من خلال إفراز خلايا متعددة تنمو مع التقدم في العمر وينقل الهرمون في الدم كما في العوامل البشرية فهو واسع التصنيف ويفرز بالجهاز العصبي العديد من الهرمونات والتي لها تأثير مباشر على أنشطة النحلة.
مازال هناك عامل داخلي آخر وهو وجود تحفيز متعدد داخل الجسم، على سبيل المثال وجود خلايا عصبية لها تأثير ممتد إلى معدة النحل والرسائل من الأعصاب إما تحفيزية أو تثبيطية على سلوك الطعام وأيضا التكوين الجيني للنحلة له تأثير كبير على السلوك ومثال ذلك مدى شراسة النحل (العدوانية) يقع تحت تحكم جيني كبير.
ومن أفضل الأمثلة على التحكم الجيني في السلوك وهو تحكم جينات متخصصة على سلوك النظافة للشغالات التي تقوم بإزالة الحضنة الميتة من عيون الحضنة فالشغالات المحتوية على جين واحد خاص برفع غطاء العيون لا تستطيع تحريك الحضنة الميتة والشغالات الأخرى المحتوية على جين خاص بتحريك اليرقة الميتة أو العذارى من العيون الغير مغطاه لا تقوم بنزع غطاء العيون ويجب تواجد كلا الجينين في عدد كافي من الشغالات لكي يكون النشاط مؤثر على تنظيف الطائفة أما بالنسبة للطوائف المحتوية على كلا الجينين فلها تأثير فعال وعلى درجة عالية لمقاومة مرض ” موت الحضنة الأمريكي وبالتالي فإن العوامل الداخلية كل منها يؤثر على نشاط معين للنحل.
بالنسبة للعوامل الخارجية التي تؤثر على سلوك النحل
هناك عديد من الأنشطة تحدث بسبب تحفيز خارجي فوري على جسم النحلة فالأصوات المواد الكيميائية اللمس والضوء جميعها تنقل إلى النحل من خلال آلاف من الخلايا الحية المتخصصة و النبضات العصبية تخرج من هذه الخلايا خلال طرق ثابتة في الجهاز العصبي بأسلوب متواصل نسبيا عندما تحفز بشكل مناسب ومع ذلك فإن استجابة النحل ليست ميكانيكية فهناك مستويات مختلفة من التحفيز للأعضاء المتخصصة الحساسة عند تحفيزها تتدفق المعلومات سيرًا في الجهاز العصبي لهذا فإن التأثير الشديد للتحفيز الحسي من لحظة إلى أخرى يبدل الحساسية للخلايا المتخصصة صانعا توازن ديناميكي لتيار نسبي بالخلية لنقل التحفيز الخارجي .
هل يتأثر سلوك النحل بالوقت؟
إن السرعة التي يتأثر بها سلوك النحل مذهلة فلا يستطيع الإنسان ملاحظة ضربات جناح واحدة لنحلة طائرة بعين مجردة، وأيضا عندما تسير النحلة على السطح فإنه من الاستحالة رؤية حركة أرجلها السريعة وهناك أمثلة أخرى عديدة توضح مدى سرعة إنجازات النحلة في أنشطتها لا يستطيع الإنسان ملاحظتها بدقة هذه الأمثلة في سلوك النحل السريع وأيضا الحشرات الأخرى سببها أن الطرق العصبية من الخلايا الحسية في منطقة الاندماج أعلى المخ وفي نهاية العضلات تكون قصيرة جدا لهذا يمكن أن يستقبل النحل ويرد على المؤثر في جزء من المليون من الثانية بالمقارنة لثوان يرد فيها الإنسان والجهاز العصبي في جسم النحلة شديد البساطة في مكوناته بالمقارنة بالحيوانات الراقية .
نظمت أنشطة النحل بساعة توقيت (time clocks) داخلية وهذا المنبه يحدد السلوك في الوقت المناسب خاصة بإيقاع متزامن (دورات كل 24 ساعة تقريبا) ولذلك فإن النحل يتجه للرعي وجمع الرحيق في نفس الوقت يوميا تقريبا والذي يتطابق مع وقت إفراز الرحيق في أنواع النباتات المتواجدة.
وليس السلوك الذي يقوم به النحل دليل على الذكاء ولكنه استجابة فردية داخل الجهاز العصبي تترجم بتأثير السلوك عند زيارة النحلة للزهرة للمرة الأولى بعد ذلك تكون النحلة مستعدة في نقس الوقت يوميا مثلما يعتاد الإنسان على الاستيقاظ يوميا في وقت محدد.
هذه الإيقاعات التلقائية في السلوك تسجل بعمق في الجهاز العصبي وفي حشرات أخرى وجد أن الحشرة تستمر في تأدية السلوك العصبي كبرنامج حتى بعد استئصال الأنسجة العصبية جراحيا من جسم الحشرة!
الصفات العامة لسلوك النحل:
إن دراسة كل هذه العوامل دلائل قوية على أن النحلة تستجيب ميكانيكا للمؤثر الخارجي والداخلي ويعتقد أغلب العلماء أن سلوكيات الحشرات بما فيها النحل ترجع إلى تنظيم وراثي في النظام منذ تكوين البيضة وهناك دلائل عديدة لتوضيح هذه النقطة كمثال أنه لا توجد فرص ليرقة الشغالة كي تتعلم السلوك اليرقي من اليرقات الأخرى أو الحشرات الكاملة وأيضا عندما تدخل اليرقة إلى العين السداسية وتقوم بجميع العمليات المتعددة لغزل الشرنقة حيث يتم هذا السلوك بدون أي استفادة من خبرة الحشرات الكاملة التي تزاملهم مثال آخر في حالة جديدة تبدأ بتحضين إطارات حضنة مع نحل صغير خارج من الحضنة وخلية بدون شغالات كاملة سوف تسلك نفس الطريقة العادية للطائفة إلى أن تصير الشغالات الصغيرة كبيرة في السن وتحت هذه الظروف فإن الشغالات لا تأخذ فرصتها في مزاملة النحل الأكبر، أي أن السلوك يكون داخليا وهذا برهان على أن السلوك النموذجي يكون فطريا وهذا التعبير عن السلوك أو الأنشطة يعتمد على عمليات فكرية ذكائية أو متوافق مع معلومات موجزة من النحل الأخر، وتلخيصا لما سبق فإن الشغالات تظهر توجيه بيولوجي وراثي لتأدية الأنشطة المختلفة حبا في البقاء.
نماذج السلوك لدى النحل:
أحيانا يمكن ملاحظة عديد من نماذج السلوك وعلى سبيل المثال فإن عديد من النحل يحمل حبوب اللقاح تلقائيا ولعدة دقائق بسلوك متزامن مع سلوك النحل الموجود بالخلية لإنزال كريات حبوب اللقاح مع ملاحظة سلوك دقيق يشبه المعجزة خاصة إمكانية وضع أنواع حبوب اللقاح في العيون التي تحتوى نفس الأنواع وذلك في الظلام الدامس، وفي عالم الحشرات نماذج سلوكية يتحكم فيها بقوة وراثية التحفيز أو العوامل التابعة التي قد تنبه للمرحلة الأولى للنموذج حيث تتابع المؤثرات من خلال النموذج الذى تؤديه إلى إتمام نموذج السلوك في تفاعل متسلسل وتوضح هذه الظاهرة الحركة الهادئة لتحريك كريات حبوب اللقاح من الأرجل الخلفية للنحل عند دخولها من باب الخلية، وأي نحلة تكمل عملية إزالة حمولة حبوب اللقاح إلى العيون حتى لو لم تكن هناك كريات حبوب لقاح .
مثال اخر شائع عن السلوك المتسلسل في الخلية نشاط الملكة المرتبط بوضع البيضة فالملكة تسير خلال نفس نموذج البحث آلاف المرات أثناء حياتها بالرغم من أن البحث عن العيون الخالية يتبعه حركات متباينة في اتجاهات مختلفة في سبيل نفس السلوك العام وهو وضع البيض ابتداء من فحص العين السداسية وهي أنواع من قوالب السلوك المتبعة في الخلية.
تفسير سلوك النحل:
عند سؤال أي نحال مبتدئ لماذا تضع الملكة بيضا سوف تكون الإجابة أن الملكة تضع بيضا لإنتاج الحضنة المطلوبة لتكوين تعداد كبير من النحل البالغ الضروري لإنتاج العسل الكافي لإبقاء الطائفة على قيد الحياة خلال الشتاء..
إن هذا التفسير يركز على ما يستفيده الإنسان من خلية النحل وهو إنتاج العسل ولكن من الناحية الأخرى نريد أن نعرف لماذا تضع الملكة البيض؟
إن المفهوم المباشر أنها تثار بعوامل مثل الروائح وضغط البيض في قناة المبيض وحجم العين السداسية ومؤثرات أخرى في ظلام الخلية وفي الواقع هي لا تعلم الهدف من وضع البيض وعلى الحشرة أن تدرك مدى إنتاج البيض للبقاء على قيد الحياة..
إن عالم النحل عالم رائع! يملك تفسيراً عجيباً لكل فعل، سلوك ندركه وسلوك آخر قد تحير عقولنا عن إدراكه، فسبحان الذي هدى الكائنات أجمع لسبل العيش على هذه الأرض..